لا يغدو هذا السؤال طريفًا لطيفًا عند حصول الطلاق، بل يصير أداة يُعذّب بها الأبناء، أداةً قياس ولاء الأبناء وبراءهم لوالدين يُفترض أنّ الله وصّى بكلاهما إحسانًا والدين يصيران بعد الطلاق والمشكلات نقيضين ينبغي ألا يجتمعا في قلبِ ابنٍ لهما أو ابنة ولا يرتفعان.
هذا السؤال الذي يسبب الأزمات النفسية والاضطرابات الوجدانية للكبار والصغار، يفرض على البَنِيّ إجابةً واحدة ينبغي أن يقول بها لسانه ويجاهده قلبه وتعمل به جوارحه فينبغي له أن يبرهن على صدقه بقطيعة جبرية لأحد والديه براعية الآخر وبعض من أهله وكبار عائلته. ما لا أجد تفسيرًا له أن منهم مَن يكونون على خُلق ودين بل وقد تجده مجد في النوافل مجتهدٌ في القربات محبٌ للخيرات مسارع إلى أبوابها ومع هذا تجد الانتصار لنفسه أحب إليه من إعانة أبنائه على اقامة دينهم وتخليص ذممهم وهذا من البلاء العظيم.
عندما كنّا صغارًا ونشاهد بعض الأفلام الامريكية نستغرب جدًا ونستنكر – بسبب الثقافة المحلية – علاقة الموادة والصداقة بين الطليقين الغربيين كان المُخرج مخادعًا – أو هو ربما انطباع ثقافتنا المحلية – كانا يظهران وكأنهما يفعلان هذا ليدعا الباب مفتوحًا حتى يعودا لبعضهما متى ما تسنّى للمياه أن تعود لمجاريها. ولكن شيئًا كهذا لا يحدث بل يُكْمل كل منهما طريقه المختلف تمامًا عن الآخر أو بالتعبير القرآني { يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ } إنما كانت هي مصلحة الابن أو الابنة وثمرات تنشئته تنشئة صحية وصالحة وعوائد هذا على نفسه وأمته ومجتمعه مقدم على كل الخلافات والاختلافات التي كانت بينهما.
كبرنا وتعلمنا { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } كان الكفار الغربيين – وما يزالون ” وهو مما يستفز ” – على صواب في تعاملهم بينهم مع مطب الحياةِ هذا ونحن المسلمين على خطأ بل خطئ فج. هاهنا ففجورٌ في الخصومة ونبذٌ لأخلاق المسلمين مع أنه رسولنا بعث ليُتمم مكارم الأخلاق. كيْلٌ وكيْدٌ وبراءة واعتداء وتشويه وحقد وتباغض في كتاب الله عزَّ وجل { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أم تنتفي صفة الإيمان عن الطليقين فيخرجان من معادلة الأُخوّة الإسلامية وتطبيقاتها الاجتماعية؟.
يغدو الطلاق في عالمنا العربي / الاسلامي – زعمًا – بين شخصيْن طلاقًا بائنًا بين عائلتين، طلاقًا بين صفين من صفوف المسلمين، فيزداد النسيج الاجتماعي شقة فتتسع الرقعة وتزيد الفجوة وهذه الأمة من ضعف إلى ضعف ومن هلاك إلى هلاك. فبكما كسبت أيديكم.
في مجالس النسوة، أسمع كثيرًا ” ما صار نصيب ” بصوتٍ عالٍ هذا أدب وأُخرى تقول ” البيوت أسرار وما يعلم بين اثنين غير رب العالمين ” الحمد لله الدنيا بخيْر؛ لكن الهمس أو قُل الفحيح مزعجٌ جدًا وتتبادى السوءات وتبدأ وليمة الأكل في الجثث والعبث بالجروح الغائرة.
كل يوم من أيام العام يتم توريث الانطباعات الخاطئة أو الصورة المشوهة والقطيعة الآثمة إلى الأبناء وترسيخها ولو بقوة الحديد والنار أو التضليل والخداع ويتم بهذا الزهد – بعلم أو من دونه برحمة الله وفضله – وبقلب ميت يتم رمي الأبناء إلى هذا الجحيم. آمنتُ أنّ الجميع ظالمٌ بقدر ما يستطيع، في عالمنا العربي / الاسلامي – زعمًا – ديكتاتورييين من غير جيوش وأدوات تشويه وتضليل من غير منابر ولا كمرات ولا منصات اعلامية.
مين بتحبوا أكتر ماما ولا بابا؟
لا يغدو هذا السؤال طريفًا لطيفًا عند حصول الطلاق، بل يصير أداة يُعذّب بها الأبناء، أداةً قياس ولاء الأبناء وبراءهم لوالدين يُفترض أنّ الله وصّى بكلاهما إحسانًا والدين يصيران بعد الطلاق والمشكلات نقيضين ينبغي ألا يجتمعا في قلبِ ابنٍ لهما أو ابنة ولا يرتفعان.
في المقال أتحدث عن عموم هذا البلاء في بلادنا أمّا بعض حالات الطلاق التي تحدث لأن أحد الوالدين من أهل الفسوق والفجور أو هو ميال لسفاسف الأمور واللامبالاة فالوضع آخر ويبقى واجب الإنصاف وإن كان عزيزًا.
وبعد؛ فلا عجب أن يكون اصلاح ذات البين من أفضل الأعمال الصالحة بنص القرآن والسنة { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاس } وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ” قَالَ الترمذي : وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ : ” هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ “.
وهذا في الطلاق وحسب؛ والمشاكل بين أسر بأكملها وقبائل بجيوشها مما هو أدهى وأمر وأنكى !
اللهمَّ اصلح ذات بين المسلمين، اللهمَّ اصلح ذات بيننا.
وأحسِن أخلاق المسلمين وأقِم العدل والمقاصد في قلوب عبادك.